الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك **
شهر الله المحرم أوله الأحد: في عاشره - الموافق لعشرين مسرى -: انتهت زيادة النيل إلى عشرين ذراعاً واثني عشر إصبعاً ثم نقص خمسة عشر إصبعاً وزاد ونقص إلى حادي عشرينه وهو أول بابه. ثم لم يناد عليه لاستمرار النقص. وفي ثاني عشرة: قدم الأمير طرباي نائب طرابلس فأكرمه السلطان وأعاده إلى محل كفالته فسار بعد خمسة أيام. وفي ثالث عشرينه: قدم القاضي زين الدين عبد الباسط وصحبته خوند جلبان وبقية الركب الأول وقدم بعدهم من الغد محمل الحاج صحبة الأمير قرا سنقر وقدمت معهم وقد عسف الأمير الناس في المسير مع ما أصابهم من العطش في توجههم. شهر صفر أوله الثلاثاء: في خامسه: انتشر بآفاق السماء جراد كثير كفى الله شره. وفي نصفه: خلع على الأمير أقبغا الجمالي وأعيد إلى كشف الوجه القبلي عوضاً عن مراد وقدم الخبر بأن الخراب شمل البلاد من توريز إلى بغداد مسيرة خمسة وعشرين يوماً بالأثقال وأن الجراد وقع بتلك البلاد حتى لم يدع بها خضراً مع شدة الوباء وانتهاب الأكراد ما بقي وأن الغلاء شنع عندهم حتى أبيع المن من لحم الضأن - وهو رطلان بالمصري - بدينار ذهب وأبيع لحم الكلب كل من بستة دراهم وقد كثر الوباء ببغداد والجزيرة وديار بكر ومع ذلك فقد عظم البلاء بأصبهان بن قرا يوسف بناحية الحلة والمشهد. شهر ربيع الآخر أوله الجمعة: في سابع عشره: نزل عدة من المماليك السلطانية - سكان الطباق - من قلعة الجبل إلى دار الوزير كريم الدين بن كاتب المناخ أستادار يريدون الفتك به وكان علم من الليل فتغيب واستعد فلم يظفروا به ولا بداره وعادوا وقد أفسدوا فيما حوله فسأل الإعفاء من الأستادارية فأعفى واستدعى الوزير صاحب بدر الدين حسن بن نصر الله في يوم السبت ثالث عشرينه وخلع عليه وأعيد إلى الأستادارية. فكان في ذلك موعظة وهي أن المماليك كانت جراياتهم ولحومهم وجوامكهم وعليقهم مصروفة ولا يخطر ببال أحد عزل ابن كاتب المناخ لثباته وسداد أمور الديوان في مباشرته وانقطاع ابن نصر الله في بيته منذ نكب عدة سنين فألقى الله في نفس ابن كاتب المناخ الخوف من المماليك حتى طالب الإعفاء وألهم الله السلطان ذكر ابن نصر الله فبعث إليه بالقاضي زين الدين عبد الباسط والوزير كريم الدين وسعد الدين ناظر الخاص في يوم الأربعاء يسلمون عليه من قبل السلطان ويعلموه بأنه عينه أستاداراً فاعتذر بقلة ماله وتغير أحواله وهم يرددون سؤاله في القبول ويشيرون عليه بذلك ويحذرونه من المخالفة فاستمهلهم حتى يستخير الله فتركوه وانصرفوا فأشار عليه من يثق به أن يقبل فأجاب وأرسلوا إليه فوافقهم على رأيهم. وفي سابع عشرينه: نودي بأن لا يسافر أحد صحبة ابن المرة إلى مكة فشق ذلك على الناس لتجهز كثير منهم للسفر. شهر جمادى الأولى أوله السبت: في ثامنه: خلع على سعد الدين إبراهيم بن المرة خلعة السفر إلى جدة وحذر من أخذ أحد معه خوفاً عليهم من العرب. وفي ليلة الجمعة رابع عشره: خسف جرم القمر جميعه مدة ثلاث ساعات من أول الليل. وفي سادس عشره: ابتدئ بهدم قصر بيسري بين القصرين وكان قد أخذ رخامه وعمل في داير الأشرفية المستجدة. وفي خامس عشرينه: ركب السلطان من القلعة وعبر القاهرة من باب زويلة ونزل في بيت عظيم الدولة القاضي زين الدين عبد الباسط ثم ركب منه بعد ساعة إلى بيت سعد الدين إبراهيم ناظر الخاص فجلس عنده قليلاً وعاد إلى القلعة وأكثر في هذا الشهر - بل في هذه السنة - من الركوب وعبور القاهرة وإلى الصيد والنزهة بخلاف ما كان عليه أولاً. وفي سادس عشرينه: حمل القاضي زين الدين عبد الباسط والقاضي سعد الدين ناظر الخاص إلى السلطان تقادم جليلة. وفي هذه الأيام: قدم بيرم التركماني الصوفي صاحب هيت فاراً من أصبهان بن قرا يوسف وقد قتل السلطان حسين وملك الحلة فخرج بيرم من هيت في ستمائة من أصحابه فيهم ثلاثمائة فارس فلقيته غزية عرب تلك البلاد فأخذوا من كان معه وكان جمعاً غفيراً ما بين تجار وغيرهم ونجا في طائفة معه فأكرمه السلطان وأنزله وأجرى له راتباً يليق به ثم أقطعه بناحية الفيوم إقطاعاً معتبراً. شهر جمادى الآخرة أوله الاثنين: في ثانيه: عزل الصاحب بدر الدين حسن بن نصر الله ورسم لأقبغا الجمالي كاشف الوجه القبلي أن يتحدث في وظيفة الأستادارية ثم خلع عليه من الغد ولزم ابن نصر الله داره. وسبب ذلك لما بلغ أقبغا عزل ابن كاتب المناخ من الأستادارية سأل في الحضور فأجيب وقدم فسعى في الأستادارية على أن يحمل عشرة آلاف دينار إن سافر السلطان إلى الشام حمل معه نفقة شهرين وهي مبلغ أربعين ألف دينار فأجيب وأبقى الكشف أيضاً معه وأضيف إليه كشف الوجه البحري. وفي عاشره: برز سعد الدين بن المرة يريد السفر إلى جدة ثم رحل في ثاني عشره ولم يمكن أحداً من السفر معه فلم يتمكن إلا إلزامه وحاشيته. وفي سابع عشرينه: خلع على بدر الدين محمود العينتابي وأعيد إلى قضاء القضاة الحنفية عوضاً عن زين الدين عبد الرحمن التفهني وقد طالت مدة مرضه فباشر القضاء والحسبة ونظر الأحباس جميعاً. شهر رجب أوله الثلاثاء: فيه خلع على الأمير صلاح الدين أستادار ابن الأمير الوزير الصاحب بدر الدين حسن ابن نصر الله واستقر محتسب القاهرة عوضاً عن قاضي القضاة بدر الدين محمود العنتابي. وكان الأمير صلاح الدين - منذ نكب هو ووالده - ملازماً لداره وعمل مع الحسبة حاجباً. وفي ثالثه: أدير محمل الحاج على العادة إلا أنه عجل به في أول الشهر لأجل حركة السلطان إلى سفر الشام فإنه تجهز لذلك هو وأمراؤه. وفي عشرينه: قدم الأمير سودن من عبد الرحمن نائب الشام باستدعاء وقدم معه قاضي كمال الدين محمد بن البارزي كاتب السر بدمشق فباتا في تربة الظاهر برقوق خارج القاهرة وصعدا من الغد إلى قلعة الجبل وقبلا الأرض فلما انقضت الخدمة نزل النائب إلى بيته ولم يخلع عليه فعلم أنه معزول وخلع عليه من الغد واستقر أميراً كبيراً عوضاً عن الأمير شارقطلوا وخلع على شارقطلوا واستقر عوضه في نيابة الشام ورسم بإبطال الحركة إلى السفر فبطلت. شهر شعبان أوله الأربعاء: فيه خلع على الأمير شارقطلوا نائب الشام خلعة السفر وتوجه إلى مخيمه خارج القاهرة وخلع على القاضي كمال الدين بن البارزي خلعة السفر ثم خلع عليه من الغد يوم الجمعة ثالثه واستقر قاضي القضاة الشافعية بدمشق عوضاً عن شهاب الدين أحمد بن المحمرة مضافاً لما بيده من كتابة السر ولم يعهد مثل ذلك في الجمع بين القضاء وكتابة السر إلا أنه أخبرني - أدام الله رفعته - أن والده المرحوم ناصر الدين محمد بن البارزي جمع بين قضاء حماة وكتابة السر بها. شهر رمضان أوله الخميس: في يوم الثلاثاء ثالث عشره: خلع على الأمير أقبغا الجمالي أستادار وسبب ذلك أنه سافر إلى بلاد الصعيد فعاث في البلاد عيث الذئب في زريبة غنم فصادر أهلها وعاقبهم أشنع عقوبة حتى أخذ أموالهم وتعتع ما بقي من الإقليم فشنعت القالة فيه فوعد لما قدم أن يحمل عشرين ألف دينار فحاققه القاضي تاج الدين عبد الوهاب بن الخطير ناظر الديوان المفرد على ما أخذ من أموال النواحي حتى تسابا بين يدي السلطان فرسم بمحاسبته فحقق في جهته خمسة عشر ألف دينار فخلع عليه تقوية له ونزل على أنه يحمل ما وجب عليه. وفي هذه الأيام: أوقعت الحوطة على فلفل التجار بالقاهرة ومصر والإسكندرية ليشتري للسلطان من حساب خمسين ديناراً الحمل وكان قد أبيع عليهم فلفل السلطان في أول هذه السنة بسبعين ديناراً الحمل ورسم بأن يكون الفلفل مختصاً بمتجر السلطان لا يشتريه من تجار الهند الواردين إلى جدة غيره ولا يبيعه لتجار الفرنج القادمين إلى ثغر الإسكندرية سواه فنزل بالتجار من ذلك بلاء كبير. وفي سادس عشرينه: خلع على دولات خجا واستقر في ولاية القاهرة عوضاً عن التاج الشويكي وأخيه عمر. ودولات هذا أحد المماليك الظاهرية وولي كشف الوجه القبلي فتعدى الحدود في العقوبات وصار ينفخ بالكير في دبر الرجل حتى تنذر عينيه وتنفلق دماغه إلى غير ذلك من سيء العذاب ثم ولي كشف الوجه البحري وكان التاج قد ترفع عن مباشرة الولاية وأقام فيها أخاه عمر فشره في المال حتى كان كلما أتاه أحد بسارق أخذ منه مالاً وخلى عنه فأمن السراق في أيامه على أنفسهم وصاروا له رعية يجبى منهم ما أحب فلما ولي دولات خجا بدأ بالإفراج عن أرباب الجرائم من سجنهم وحلف لهم أنه متى ظفر بأحد منهم وقد سرق ليوسطنه رهب إرهاباً زائداً وركب في الليل وطاف وأمضى وعيده في السراق فما وقع له سارق إلا وسطه فذعر الناس منه. وفيه خلع على عمر أخي التاج واستقر من جملة الحجاب ليرتفق بمطالع العباد على بلوغ أغراضه ونيل شهواته. وأكثر دولات خجا من الركوب ليلاً ونهاراً بفرسانه ورجالته وألزم الباعة بكنس الشوارع ثم رشها بالماء وعاقب على ذلك ومنع النساء من الخروج إلى الترب في أيام الجمع. وفي هذا الشهر: أجريت العين حتى دخلت إلى مكة بعد ما ملأت البرك داخل باب المعلاه ومرت على سوق الليل إلى الصفا وانتهت إلى باب إبراهيم وساحت من هناك فعم النفع بها وكثر الخير لشدة احتياج الناس بمكة إلى الماء وقلته أحياناً وغلاء سعره وتولى ذلك سراج الدين عمر بن شمس الدين محمد بن المزلق الدمشقي أحد التجار وأنفق فيه من ماله جملة وافرة. في ثالثه: قدم النجاب من دمشق بجواب الأمير شارقطلوا نائب الشام يعتذر عن حضور قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن الكشك. وكان قد كتب بحضوره ليستقر في كتابة السر عوضاً عن شهاب الدين أحمد بن السفاح بعد موته ويحمل عشرة آلاف دينار فامتنع من ذلك واحتج بضعف بصره وآلام تعتريه فاستدعى السلطان عند ذلك الوزير الصاحب كريم الدين عبد الكريم ابن كاتب المناخ ورسم له بكتابة السر. فلما أصبح يوم الثلاثاء رابعه: خلع عليه خلعة الوزارة واستقر في كتابة السر مضافاً إلى الوزارة ولم يقع مثل ذلك في الدولة التركية أنهما اجتمعا لواحد فنزل في موكب جليل إلى الغاية وباشر مع بعده عن صناعة الإنشاء وقلة دربته بقراءة القصص والمطالعات الواردة من الأعمال غير أن الكفاءة غير معتبرة في زماننا بحيث أن بعض السوقة ممن نعرفه ولي كتابة السر بحماة على مال قام به وهو لا يحسن القراءة ولا الكتابة فكان إذا ورد عليه كتاب وهو بين يدي النائب لا يقرأه مع شدة الحاجة إلى قراءته ليعلم ما تضمنه ثم يمضي إلى داره حتى يقرأه له رجل أعده عنده لذلك ثم يعود إلى النائب فيعلموه بمضمون الكتاب وتداعى بالقاهرة خصمان عند كبير من قضاتها فقضي على المدعي عليه فقال له ما معناه أنه حكم بغير الحق فأمر بإخراجهما حتى ينظر في مسألتهما ثم طلع بعض كتب مذهبه فوجد الأمر على ما ادعاه الرجل من خطأ القاضي فردهما وقال: وجدنا في الكتاب الفلاني الأمر كما قلت ولم يبال بما تبين من جهله ولهذا نظائر لو عددنا ما بلغنا منها لقام من ذلك سفر كبير مع الحجاب وإعجاب وفرط الرقاعة وإلى الله المشتكى. وفي الخميس ثالث عشره: ابتدأ السلطان بالجلوس في الإيوان بدار العدل من القلعة. وكان قد ترك من بعد الظاهر برقوق الجلوس به في يوم الاثنين والخميس إلا في النادر القليل سيما في الأيام المؤيدية شيخ فتشعث ونسبت عوائده ورسومه إلى أن اقتضى رأى السلطان أن يجدد عهده فأزيل شعثه وتتبعت رسومه. ثم جلس فيه وعزم على ملازمته في يومي الخدمة ثم ترك ذلك. وفيه قدم ركب الحجاج المغاربة وقدم ركب الحاج التكرور أيضاً وفيهم بعض ملوكهم فعوملوا جميعاً بأسوأ معاملة من التشدد في أخذ المكوس مما جلبوه من الخيل والرقيق والثياب وكلفوا مع ذلك حمل مال فشنعت القالة. وفي عشرينه: خرج محمل الحاج إلى بركة الحجاج. وفي حادي عشرينه: أخذ قاع النيل فكان ستة أذرع وعشرين إصبعاً. وفي هذه الأيام: رسم بشراء الغلال للسلطان فإنها رخيصة وربما توقفت زيادة النيل فغلت الغلال فيكون السلطان أحق بفوائدها فخرجت المراسيم إلى أعمال مصر بشراء غلال الناس وألزم سماسرة الغلة بساحل مصر وساحل بولاق أن لا يبيعوا لأحد شيئاً من الغلال حتى يتكفي السلطان فكثر من أجل هذا تطلع الناس إلى شراء الغلة ما كان عدة أشهر وهي كاسدة وسعر القمح من مائة وثلاثين درهماً الأردب إلى ما دونها والفول والشعير من ثمانين درهماً الأردب إلى ما دونها وسائر أسعار المبيعات رخيصة جداً فالله يحسن العاقبة. وفي ثاني عشرينه: ابتدئ بالنداء على النيل فنودي بزيادة أربعة أصابع وقدم الخبر من مكة المشرفة بأن عدة زنوك قدمت من الصين إلى سواحل الهند وأرسى منها اثنان بساحل عدن فلم تنفق بها بضائعهم من الصيني والحرير والمسك وغير ذلك لاختلال حال اليمن فكتب كبير هذين الزنكين إلى الشريف بركات بن حسن بن عجلان أمير مكة وإلى سعد الدين إبراهيم بن المرة ناظر جدة يستأذن في قدومهم إلى جدة فاستأذنا السلطان في ذلك ورغباه في كثرة ما يتحصل في قدومهم من المال فكتب بقدومهم إلى جدة وإكرامهم. شهر ذي القعدة أوله الاثنين: فيه استدعى قضاة القضاة الأربع بجميع نوابهم في الحكم بالقاهرة ومصر إلى القلعة لتعرض نوابهم على السلطان وقد ساءت القالة فيهم فدخل القضاة الأربع إلى مجلس السلطان وعوق نوابهم عن العبور معهم فانفض المجلس على أن يقتصر الشافعي على خمسة عشر نائباً والحنفي على عشرة نواب والمالكي على سبعة والحنبلي على خمسة وقد تقدم مثل هذا كثير ولا يتم. وفي سابعه: خلع على الأمير تاج الدين الشويكي وأعيد إلى ولاية القاهرة عوضاً عن دولات خجا. وفي ثامن عشرينه: ورد الخبر بموت جينوس بن جاك صاحب قبرس. وفيه خلع على عز الدين عبد العزيز بن علي بن العز البغدادي واستقر في قضاء القضاة الحنابلة بدمشق عوضاً عن نظام الدين عمر بن مفلح وخلع عليه من بيت الوزير كاتب السر كريم الدين ولم يعهد قضاة القضاة يخلع عليهم إلا من عند السلطان غير أن الوزير أعاد لكنابة السر بعض ما كان من رسومها لوفور حرمته واستبداده وكان مع ذلك القضاة والفقهاء قد انحط جانبهم واتضع قدرهم. شهر ذي الحجة أوله الثلاثاء: فيه نودي بوفاء النيل ستة عشر ذراعاً وثلاثة أصابع ووافق ذلك خامس مسرى. وهذا مما يندر وقوعه فركب الأمير جقمق أمير أخور لفتح الخليج على العادة. وفي خامس عشرينه: سارت سرية عدتها ستون مملوكاً مع بعض أمراء العشرات إلى قبرس ومعهم خلعة لجوان بن جينوس باستقراره في مملكة قبرس عوضاً عن أبيه نيابة عن السلطان ومطالبته بما تأخر على أبيه وهو أربعة وعشرون ألف دينار وما التزم به في كل سنة وهو خمسة آلاف دينار. وفي سادس عشرينه: قدم مبشرو الحاج. وفي هذا الشهر: كثر تقطع الجسور بالنواحي فغرقت بلاد عديدة ودخل الماء إلى كثير من البلاد قبل أوانه فغرقت الجرون وهي ملآنة بالغلال وتلف من المقاتي والسمسم والنيلة ما يبلغ قيمته آلاف دنانير وشرقت عدة بلاد وكل ذلك من فساد عمل الجسور وأخذ الأموال في النواحي عوضاً عن رجال العمل وأبقارها. وفيه فرقت عدة بلاد من بلاد الديوان المفرد على جماعة ليعمروها فإنها خربت من سوء ولاية الأستادارية وعسفهم وكثرة المغارم فسلم إلى القاضي زين الدين عبد الباسط وإلى الوزير كريم الدين وإلى سعد الدين ناظر الخاص وإلى التاج بن الخطير كل منهم بلد من البلاد وسلم إلى آخرين دون هؤلاء عدة بلاد. وفيه رسم أن يعلق على كل حانوت من حوانيت الباعة بالأسواق قنديل يضيء الليل فعمل ذلك. وفيه كثرت زيادة ماء النيل فانسلخ ذو الحجة بيوم الأربعاء رابع أيام النسىء والماء على ثمانية عشر ذراعاً وعشرين إصبعاً. وهذه السنة: تحول الخراج فيها من أجل أنه لم يقع فيها نوروز فحولت سنة ست إلى سنة سبع وثلاثين. وفيها نزل الطاغية النشو بن دون فرنادو بن أندريك بن جوان قتيل الفرس بن فدريك بن أندريك ملك الفرنج القطلان وصاحب برشلونة على جزيرة صقلية في شهر رمضان وسار ومعه صاحب صقلية في نحو مائتي قطعة بحرية حتى أرسى على جربة في سابع عشر ذي الحجة وملكها. وكان ملك المغرب أبو فارس عبد العزيز غائباً عن تونس في جهات تلمسان فلما بلغه ترك معظم عسكره وسار على الصحراء حتى دنا من جربة وكانت بينه وبين الفرنج وقعة كاد يؤخذ فيها وقتل من الفريقين جماعات كثيرة. وهذا الطاغية النشو مات جده أندريك وملك بعده ابنه جوبان بن أندريك بن جوبان. خرج فرناندو بن أرندريك من بلد أشبيلية يريد محاربة القطلان أهل برشلونة - وقد مات ملكهم مرتين فغلبهم وملك برشلونة وأعمالها حتى مات فملك بعده ابنه النشو هذا. وفيه قدم أحد ملوك التكرور للحج فسار إلى الطور ليركب البحر إلى مكة فمات بالطور ومات في هذه السنة من الأعيان السلطان حسين بن علاء الدولة بن القان غياث الدين أحمد بن أويس. وكان قد أقيم بعد أحمد بن أويس في السلطة ببغداد شاه ولد بن شاه زاده بن أويس ثم قتل بعد ستة أشهر بتدبير زوجته تندو ابنة السلطان حسين بن أويس وقامت بالتدبير ثم خرجت من بغداد بعد سنة فراراً من شاه محمد بن قرا يوسف ونزلت ششتر في عدة من العسكر وملك شاه محمد بغداد فأقيم مع تندو في السلطنة السلطان محمود بن شاه ولد فدبرت عليه وقتلته بعد خمس سنين وانفردت بمملكة ششتر وملكت البصرة بعد حرب شديدة ثم ماتت بعد انفرادها بثلاث سنين فأقيم ابنها أويس بن شاه ولد وقتله أصبهان بن قرا يوسف في الحرب بعد سبع سنين وأقيم بعده بششتر أخوه شاه محمد بن شاه ولد فمات بعد ست سنين وقام من بعده حسين بن علاء الدولة وملك البصرة وواسط وعامة العراق ما عدا بغداد فإنها بيد شاه محمد بن قرا يوسف. ولم يزل محارباً لأصبهان بن قرا يوسف حتى نزل عليه أصبهان وحصره بالحلة مدة سبعة أشهر حتى أخذه وقتله في ثالث صفر من هذه السنة فانقرضت بمهلكه دولة الأتراك بني أويس من العراق وصار عراقا العرب والعجم بيد اسكندر وشاه محمد وأصبهان ومات شرف الدين عيسى بن محمد بن عيسى الأقفهسي الشافعي أحد نواب الحكم في ليلة الجمعة سادس عشرين جمادى الآخرة ومولده في سنة خمسين وسبعمائة. وبرع في الفقه وناب في الحكم عن العماد أحمد الكركي ومن بعده من سنة اثنين وتسعين وكان كثير الاستحضار للفروع. ومات شهاب الدين أحمد بن صلاح الدين صالح بن أحمد بن عمر المعروف بابن السفاح الحلبي في ليلة الأربعاء رابع عشر شهر رمضان عن ثلاث وستين سنة وباشر هو وأخوه وأبوه كتابة السر بحلب ولهم بها رياسة وتمكن وأموال ثم باشر كتابة السر بديار مصر فلم يسعد ولم ينجب وكان فيه هوج وطيش. ومات الصاحب علم الدين يحيى أبو كم الأسلمي في ليلة الخميس ثاني عشرين رمضان وقد أناف على السبعين فباشر نظر الأسواق وتنقل حتى ولي الوزارة في الأيام الناصرية فرج وكان يريد الانتفاء من النصرانية فحج وجاور بمكة وأكثر من زيارة الصالحين والله أعلم. بما كانوا عاملين. ومات قاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن التفهني الحنفي بعد مرض طويل في ليلة الأحد ثامن شوال وقد أناف على السبعين. ومولده سنة أربع وستين ولم يترك في الحنفية مثله ويقال إن بعض جواريه سمعته وقد أوصى بخمسة آلاف درهم لمائة فقير يذكرون الله قدام جنازته وسبعة آلاف درهم لكفنه وجهازه ودفنه وقراءة ختمات. ومات جينوس بن جاك يبروس بن أنطون بن جينوس ملك قبرس وملك بعده ابنه في حدود سنة ثمانمائة وقدم إلى القاهرة مأسوراً ثم أعيد إلى مملكته وصار نائباً عن السلطان يحمل إليه المال كل سنة. وقتل نصراني في سابع شوال ضربت رقبته تحت شباك المدرسة الصالحية بسبب وقوعه في حق نبي الله داود بعد ما سجن مدة وعرض عليه الإسلام فامتنع.
|